الدرس الصوتي عند علماء القرن الخامس الهجري

Transcript

1 الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كلية الداب واللغات والفنون جامعة وهران قسم اللغة العربية وآدابها رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في علوم اللغة العربية موسومة: الدرس الصوتي عند علماء القرن الخامس الهجري إعداد الطالبة: بوعناني سعاد آمنة إشراف الستاذ الدكتور: أحمد عزوز لجنة المناقشة: جامعة وهران أستاذ بكري عبد الكريم رئيسا جامعة وهران أستاذ عزوز أحمد مقررا جامعة تلمسان أستاذ بوروبة المهدي مناقشا جامعة البليدة أستاذ عمار ساسي مناقشا جامعة وهران أستاذة محاضرة-أ- بسناسي سعاد مناقشا جامعة سيدي بلعباس أستاذة محاضرة-أ- طيبي أمينة مناقشا السنة الجامعية : -00 0

2 الهداء.إلى قرة العين حبيبي وسيدي رسول ا صلى ا عليه وسلم.إلى تقاسيم وجه خطها الزمان بالفرح واللم تدعو في جوف الليل وتقول رباه إلى والدي.إلى ثغور باسمة ضاحكة تهفو كل صباح تقول أماه إلى أولدي محمد وسليمان ويونس إلى يد تحظى بحفظ الرحمن ترعى المانة من لفح الزمن وحر اليام. إلى زوجي

3 شكروتقدير أقدر في هذا المقام وأشكر أساتذتي الفاضل على تقديم يد العون لخراج هذا العمل في أفضل صورة له والشكر الخص للستاذ المشرف أ.د أحمد عزوز الذي تحمل مشقة قراءة العمل وتصحيحه وتوجيهه والوقوف على هناته وسقطاته ول يفوتني تقدير أ.د مكي درار صاحب فكرة عنوان البحث وأستاذي الفاضل أ.دالمهدي بوروبة الذي أعانني على تصور خطة العمل وأمدني بجل المصادر المعتمدة في هذا البحث وبخاصة تلك المتعلقة بعلماء التجويد ول يفوتني تقديم الشكر لستاذي أ.د بوعناني الذي فتح لي مكتبته كلما احتجت لذلك ولكل من أعانني بالقليل أو الكثير لهم مني جزيل الشكر والمتنان.

4 المقدمة يعد البحث في مجال الدراسات الصوتية شائكا وهو في الن ذاته شيق يتطلب فضل عن تملك أدوات البحث قدرا كبيرا من الدقة في تتبع الظواهر واستخلص النتائج وهذا من صميم طبيعة العمل الصوتي وهو الميدان الذي قطع أشواطا في مجال البحث والدراسة فأصبح قاب قوسين أو أدنى من العلوم التجريبية. ما جعله من أكثر الميادين اتصال بالفيزياء والتشريح والطبيعيات وغيرها. وغاية البحث في جهود علماء القرن الخامس للهجرة هي الكشف عن إسهامات بعضهم في الدرس الصوتي. وقد شهد هذا القرن ظهور علماء برزوا في تخصصات عدة كما نضجت فيه علوم مختلفة وعلى يد بعض علمائها ولدت علوم أخرى ومن أمثال هؤلء الباقلني(ت 0 ه) في إعجاز القرآن وابن سينا (ت 7 ه) في الطب والموسيقى والفلسفة وعلم الصوات والقيسي(ت 7 ه) والداني(ت ه) والقرطبي(ت 6 ه) في علوم التجويد وابن سنان الخفاجي (ت 66 ه) وعبد القاهرالجرجاني (ت 7 ه) في البلغة. وبالنظر لهذا الزخم العلمي والفكري الذي طبع القرن الخامس للهجرة يعد العمل حول ما قدمه علماء هذا القرن للوهلة الولى سلسا وسهل لما يفترض من وجود مادة غزيرة ومتنوعة لكن تجربة البحث كانت غير ذلك تماما فأول عقبات البحث تمثلت في ندرة المصادر وصعوبة الحصول عليها كمؤلفات ابن سينا (ت 7 ه) وفي مقدمتها كتاب الشفاء والقانون في الطب وكتب القيسي التي كاد اليأس أن يتملكني وأنا أبحث عنها وفي مقدمتها كتاب الرعاية. وقد كان إسهام ابن سينا (ت 7 ه) في الدرس الصوتي أساس هذا البحث لن ما قدمه يحتاج لكثر من بحث أكاديمي متخصص. فقد استطاع بموسوعيته أن يخوض في

5 الحديث عن الصوت الطبيعي والصوت اللغوي بمختلف مستوياته بدءا من الطبيعة وأصواتها إلى الصوت البشري المنطوق وصول إلى التركيب في الخطابة والشعر. أمام هذا ورغم صعوبة القالب والطار لمؤلفات ابن سينا (ت 7 ه) وبخاصة المصطلحات فإني لم أستطع مقاومة الفكر المتنوع الخاديد في عمله من فلسفة وغيبيات ومنطق ومن فزياء واستقصاء وتجريب لذا عملت جاهدة على أل أتجاوز ما توصل إليه فكانت له حصة السد في هذا البحث خاصة وأن نتائج أعماله سبقت عصره بكثير. وإلى جانب ابن سينا (ت 7 ه) كان هناك علماء التجويد الذين درسوا الصوات العربية برؤى مختلفة فكانت نتائج أعمالهم مستحدثة وقريبة إن لم نقل مطابقة لما جاءت به الدراسات الصوتية الحديثة رغم اعتمادهم على وصف السماع وكيفية النطق. والجدير بالملحظة أن نتائج أعمال علماء القرن الخامس للهجرة لم تكن مكررة لنها امتازت بالتخصص دون الموسوعية التي طبعت القرون السابقة. فأعمال البلغيين غير أعمال الطباء الفلسفة وغير أعمال المجودين. وهذا ما جعل الموازنة والمقاربة لعمالهم ونتائجها صعبة مما حدا بالبحث إلى السير في عدة مراحل منه في شكل خطوط متوازية غير قابلة للتقاطع. فقد اقتربت أعمال ابن سينا (ت 7 ه) مثل من الفزياء والطب والفلك والطبيعيات عموما. وامتازت أعمال علماء التجويد بدراسة الجوانب التطبيقية كنطق الصوت وحسن إخراجه وتميز عمل البلغيين بتركيب الصوات وتناغمها وتجانسها داخل المقاطع والتراكيب ولو أن تآليف ابن سينا (ت 7 ه) وغيره لم تكن تخلو هي أيضا من بعض هذه الجوانب. واستعنا في هذا البحث بالمنهج الوصفي في سرد الحقائق العلمية عند علماء الفترة المعنية وكذا بالمنهج المقارن حيث عمدت إلى عرض جهود علماء القرن الخامس للهجرة على من سبقهم وعلى من أتى بعدهم من المحدثين. ولم يخل البحث من المنهج التاريخي خاصة في تتبع مراحل تطور الدرس الصوتي. 5

6 يبقى هذا البحث تكملة لمجموعة من البحوث التي تحدثت عن الدراسات الصوتية العربية عند اللغويين والفلسفة في القرون الولى بداية من القرن الول إلى غاية القرن الرابع الهجري. ولحظنا أن أعمال علماء القرن الخامس للهجرة بقيت غائبة عن ساحة البحث خاصة تلك المتعلقة بابن سينا. ولجل مقاربة موضوع الصوت مقاربة علمية قسمنا العمل إلى خمسة فصول وتمهيد. وتجدر الشارة في هذا الصدد إلى أن هذه الخطة قد أملتها المادة التي توافرت لدينا والتي على أساسها بنيت دراسة ومقارنة أعمال علماء القرن الخامس للهجرة فجاءت خطة البحث كالتي: تضمن التمهيد إرهاصات الدرس الصوتي العربي مؤرخا لظهور اللحن ومدونا لبداية الهتمام بالدراسة اللغوية من نحو وصرف وصوت في كتب اللغويين الوائل وركزت على الخليل(ت 75 ه) بوصفه أول من صنف معجما على أساس صوتي تضمن مخارج الحروف وصفاتها. كما تعرض التمهيد لتطور الدراسة الصوتية التي جاءت نتيجة لحاجة الناطقين إليها. أما الفصل الول فخصص للتعريف بالصوت الطبيعي واللغوي وتعرض لمفهوم الصوت وماهيته وأهم العوامل المؤثرة فيه وابن سينا (ت 7 ه) من الذين خاضوا في ذلك بمرجعية فلسفية وفيزيائية لم نجدها عند كثير من معاصريه. ومن الصوت انتقلنا إلى القراءة ومفهومها اللغوي والصطلحي عند علماء التجويد وما ترتب عنه من مصطلحات كالترتيل والتجويد وغيرها. وختمنا الفصل الول بصفات القراءة الصحيحة. وخصصنا الفصل الثاني لجهاز النطق فتناولنا فيه أنواع العضاء اللزمة لصدار الصوت والتقاطه. وكان لبن سينا (ت 7 ه) وآرائه القسم الوفى بحكم 6

7 تخصصه الطبي ودقته العلمية في التشريح والوصف. ثم عرجنا على مصدر الصوت محاولين الجابة عن كيف ينشأ ويولد وينتج ثم كيف يصل إلى الذن. وكان هنا الحديث عن جهاز السمع أو ما يعرف بالذن وقد اصطلحنا عليه ب "لقط الصوت" انطلقا من وظيفته. وبين إنتاج الصوت وسماعه مرحلة انتقال الصوت وكيفية حدوث ذلك وهي مرحلة مهمة تمثل همزة الوصل بين الناطق والسامع وتحتاج إلى شروط جلية وجب توافرها ليتم التواصل بين المتحدث والمستمع. وختمنا هذا الفصل بذكر معوقات التواصل انطلقا من عيوب النطق والسمع فحصرنا أهمها وبينا أسباب ذلك وتوصلنا إلى أن جلها تم ذكره في كتب الوائل وكانت العرب قد حصرت ذلك إما في عيوب نطق أو في عادات نطقية قد تصل إلى حد نعتها باللهجات. أما الفصل الثالث والرابع فهما من الهمية بمكان من حيث المادة والغاية إذ خصص الفصل الثالث لمخارج الصوات والرابع لصفاتها. وكان عمل ابن سينا (ت 7 ه) في هذا مميزا ومختلفا من حيث العرض والشرح أيضا فكان دقيقا في استعمال المصطلح لدرجة إدراجه لمصطلحات جديدة وخاصة به لم يسبقه إليها أحد من قبل كما استنجد بأصوات من الطبيعة و بأصوات غير لغوية لكنها دالة على معنى معين للتدليل على صوت لغوي سواء لشرح صفاته أم الوقوف على مخرجه. أما البلغيون وعلماء التجويد فقد نهجوا في تحديد مخارج الحروف وصفاتها نهج اللغويين الوائل كالخليل(ت 75 ه) وسيبويه(ت 80 ه) إل أنهم ذهبوا في الحديث عنها مذهبا يلئم رؤى علوم البلغة والعجاز وعلوم القراءة والتجويد فجاءت الستنتاجات أكثر دقة. ونجح هؤلء في رسم معالم علوم لم يضف إليها من جاء بعدهم الكثير. 7

8 ويتناول الفصل الخامس الصوت وتغيراته الطارئة بين الفراد والتركيب فتوقفنا عند التبدلت النطقية للصوت الواحد وقد خص ابن سينا (ت 7 ه) هذا بفصل كامل في رسالته أسباب حدوث الحروف فذكر أصواتا عربية كالكاف والجيم والسين والتي تنتقل إلى ما يقابلها أو يشابهها من أصوات لغات أخرى كالفارسية والتركية إما بإغفال صفات فيها أو تحويل نقاط إخراجها وأوعز ابن سينا (ت 7 ه) ذلك إلى الندماج الحاصل في حاضرة المسلمين بين العرب وغيرهم من الجناس الخرى. كما توصل إلى أن الحرف العربي الواحد أصبحت له عدة صور نطقية في حين تبقى له صورة خطية واحدة يعرف بها. وشدد على ضرورة التمييز بين النطق العربي القح والدخيل بإرجاعه إلى لغته الصل. ثم انتقلنا إلى المقاطع وأنواعها وقد توسع فيها ابن سينا (ت 7 ه) فحصرناها في خمس وهو ما توصل إليه علم اللغة الحديث ففصل فيها وربطها بعلوم سماها فنونا كفن الخطابة وفن الشعر والموسيقى. وختمنا الحديث في هذا الفصل عن النبر والتنغيم - لصلته بالمقاطع- فوضحنا رؤى ابن سينا (ت 7 ه) الذي ربط ذلك كله بالمقاطع ثم بفن اللقاء الشفهي كما عرضنا آراء بقية العلماء كعلماء التجويد وقارنا ذلك كله بما وصل إليه المحدثون في بحوثهم. ولقد حرصنا في الختام كل الحرص على العودة إلى المصادر وإن استعصى علينا ذلك أحيانا فحاولنا جاهدين استخلص النتائج ومقارنتها بما توصلت إليه علوم الصوات الحديثة وما قدمه علماء اللغة الوائل فكان التنوع واضحا في المصادر والمراجع المعتمدة في هذا البحث كالقانون والشفاء لبن سينا والرعاية للقيسي والتحديد للداني والموضح للقرطبي والكتاب لسيبويه والعين للخليل والمقتضب للمبرد والخصائص وسر صناعة العراب لبن جني(ت 9 ه)... هذا من جانب 8

9 المصادر ومن المراجع نجد مثل مناهج البحث لتمام حسان والصوات اللغوية لبراهيم أنيس والمصطلح الصوتي لعبد العزيز الصيغ والدراسة الصوتية عند علماء التجويد لغانم قدوري الحمد...كما استعنا بالدراسات الكاديمية في هذا المجال من رسائل ماجستير كرسالة الصوت والدللة في خطاب البشير البراهيمي: عيون البصائر نموذجا لحمد عزوز والحروف العربية وتبدلتها الصوتية في كتاب سيبويه لمكي درار وأطروحة الدكتوراه المعنونة ب ظواهر التشكيل الصوتي عند النحاة واللغويين العرب حتى نهاية القرن الثالث الهجري. 9

10 تمهيد إرهاصات الدرس الصوتي العربي يتم إدراك قيمة الصوت في الحياة وفضله في مجال ال تواصل النساني من خلل التمعن في دوره الحيوي في حياة كل فرد منا إذ يجعله ابن جني( 9 ه) مطابقا للغة حين يقول: «أما حدها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم». فبنظرة متأنية في مقولته ندرك أنه قد عرف الصوت من خلل اللغة وليس العكس. فالصوت لغة قبل أن تكون اللغة أصواتا كالمولود يستهل الحياة صارخا مصوتا مؤذنا بدخوله الحياة الدنيا فجعل علماء الفقه ذلك كافيا ليرث ويورث ويبقى المولود على ذلك حينا من الدهر وهو يعبر عن أغراضه الحياتية من رغبة في الكل والتغيير واللعب بالصراخ المتنوع النغمات فطلبه للكل ليس هو الصوت نفسه حين يحب أن يكون مدار اهتمام البوين والمحيطين به كل ذلك يؤكده عدم ظهور الدموع في عينيه حتى يمضي على ذلك أشهر من عمره فيصل إلى مرحلة المناغاة و يحاول فيها تحوير الصراخ إلى نغمات نطقية يسعى بها إلى محاكاة الصوات اللغوية المسموعة. ويشكل ال صوت المادة الولى في تشكيل اللغات ويجمع ال دارسون على أ نه يم ثل المستوى ال ول من مستويات ال درس ال لغوي وله تأثير ج لي على المستويات الدراسية الخرى. وقد تن به العرب قديما لقيمة ال صوت وأهم يته في مجال ال تواصل من توصيل للفكار وتنبيه للحوال واستطلع للهيئات. وقد أدرك المحدثون من الغربيين ذلك ومن بينهم غليسن في Gleason "مدخل إلى اللسانيات". يقول:»عندما نسمع شخصا يتحدث بلغتنا فإننا ل نسمع ما يقول فحسب وإنما نعلم أشياء أخرى عن المتحدث نفسه فإذا كان لنا سابق معرفة به - الخصائص أبو الفتح عثمان بن جني تحق محمد علي النجار دار الهدى للطباعة والنشر بيروت لبنان ط /. 0

11 فإننا سنتعرف عليه وإن لم تسبق لنا معرفته فإننا سندرك ما إذا كان رجل أو امرأة وقد نعرف سنه ومستواه ال تعليمي ووسطه الجتماعي «. أما ال دراسة ال صوتية العرب ية فقد انطلقت مع بداية ال درس ال لغوي عامة والعناية به وال تنبه له كان قبل ال نحو وعلومه. وكان من بواعث هذا الهتمام ظاهرة اللحن الذي يعد أحد السباب الساس ية في ال درس ال صوتي العرب ي. وقد جاء في لسان العرب أن للحن معان أهمها أنه «من الصوات المصوغة الموضوعة وجمعه ألحان ولحن ول حن في قراءته إذا غرد وطرب فيها بألحان... وهو ألحن الناس إذا كان أحسنهم قراءة أو غناء». وأنه بمعنى الفطنة أيضا إذ ورد» لحن الرجل فهو لحن إذا فهم وفطن لما ل يفطن له غيره». وجاء أيضا في معاني اللحن كونه«... ترك الصواب في القراءة والنشيد ونحو ذلك... وألحن في كلمه أي أخطأ» وهذا هو المعنى المراد. وقد انتبه العرب لوجود ال لحن قبل السلم لنهم ألفوا بعض الموالي ا لذين عاشوا بينهم ولم يتقنوا نطق أصواتهم وهذا لفتقار لغتهم الصل ية لصوات ال لغة العرب ية ثم لصعوبة إخراجها واللمام بصفاتها. وبانتشار السلم ودخول العاجم في هذا ال دين الجديد زاد انتشار ال لحن ال صوتي. -voir H. A. Gleason, Introduction à la linguistique, Librairie Larousse, Paris 969, p : «Quand nous écoutons une personne qui parle notre langue, non seulement nous entendons ce qui est dit, mais nous apprenons également d autres choses sur le locuteur lui-même ; si nous le connaissions auparavant, nous le reconnaissons ; si nous ne le connaissions pas, nous l identifions comme homme ou femme, et nous pouvons peut-être nous faire une idée de son âge, de son éducation et de son milieu social». - لسان العرب 7/6 ابن منظور جمال الدين محمد بن مكرم النصاري طبعة مصورة عن طبعة بولق مع تصويبات وفهارس متنوعة. المؤسسة المصرية للتأليف والنباء والنشر الدار المصرية للتأليف والترجمة /6 - لسان العرب 7/6 - لسان العرب 7/6

12 وباتساع رقعة ال دولة السلم ية زاد الخطر على أهل ال لغة من أن يفقدوا جب لتهم في ال نطق بالعرب ية واستعمالها فقد ورد في النهاية:»كان اللسان العربي عندهم صحيحا محروسا ل يتداخله الخلل ول يتطرق إليه الزلل إلى أن فتحت المصار وخالط العرب غير جنسهم...فاختلطت الفرق وامتزجت اللسن«. وقد تع رض ال دارسون قديما وحديثا لمشكل ال لحن وخطره على ال صوت العربي ومن بينهم الجاحظ ( 55 ه) في كتابه "البيان والتبيين" الذي جاء فيه ما يأتي:»قال مسلم بن سلم: حدثني أبان بن عثمان قال: كان زياد ال نبطي شديد اللكنة وكان نحويا. قال: وكان بخيل ودعا غلمه ثلثا فلما أجابه قال: فمن لدن دأوتك إلى أن قلت ل بى ما كنت تصنأ يريد: من لدن دعوتك إلى أن أجبتني ما كنت تصنع «. وقال أبو الحسن:» أهدي إلى مولى زياد حمار وحش فقال لزياد: أهدوا لنا همار وهش قال: أي شيء تقول ويلك قال: أهدوا إلينا أيرا- يريد عيرا- قال زياد: الثاني شر من الول«. واللحن مستنكر عند العرب إذ ينتقص من فصاحتهم يقول عبد الملك بن مروان:» اللحن هجنة على الشريف والعجب آفة الرأي«. لقد توصل الجاحظ في دراسته إلى حقيقة صوتية مفادها أن العادات ال نطقية إذا تمكنت من اللسان يصعب التخلص منها فهو يقول في هذا الشأن:»الس ندي إذا جلب كبيرا فإنه ل يستطيع إل أن يجعل الجيم زايا ولو أقام في عليا تميم أوفي سفلى قيس أو بين عجز هوازن خمسين عاما«. 5 وهذا ما خلص إليه علماء اللغة المحدثون إذ يرى بعضهم أن» القليل من الناس فقط يمكنهم أن يضيفوا أو ينقصوا أو يغيروا من - النهاية في غريب الحديث والثر محي الدين بن الثير تحق طاهر أحمد زاوي ومحمود الطناجي ط دار إحياء الكتب العربية القاهرة / البيان والتبيين أبو عمرو بن بحر الجاحظ تحقيق وشرح عبد السلم هارون مطبعة المدني مكتبة الخانجي للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة ط./ 05/ البيان والتبيين / - البيان والتبيين 6 / 5 - البيان والتبيين /.

13 أنماطهم النطقية الساسية بعد اجتيازهم مرحلة المراهقة اللهم إل إذا كانوا بصدد تعلم لغة ثانية». فالعلم إذا بوجود اللحن كان معلوما عند العرب ولم يخش منه إل حين أصبح وجوده مرتبطا بقراءة القرآن الذي نزل بلغات العرب المتعددة والتي كانت دافعا آخر في نشأة علم الصوات وظهور الدرس الصوتي مبكرا. وبانتشار اللحن ظهر علماء يحملون على عاتقهم حماية كتاب ا من التحريف والضياع وحماية اللغة مما قد يفسد سليقتها خاصة وأنها لغة معربة تحمل معانيها في تغير حركاتها والتي قد تصل للتضاد وما تطالعنا به المصادر اللغوية من روايات عن اللحن في اللغة والقرآن دليل على ذلك. وظلت اللغة العربية مخزنا لعلوم جمة بقيت كامنة ولم يتم توهجها إل بانتشار اللحن ويذكر عبد الجليل عبد الرحيم أن تأخر اكتشاف العراب ل يدل على فقدانه وإنما «...كان سليقة لهم في الكلم فطروا عليها ونشؤوا بها وجاء القرآن متفشيا على هذه الفطرة«. القرآن. إذ أ ن العلم كان موجودا لكن ظهوره ارتبط بال لحن في قراءة ويمكن أن يكون الدرس الصوتي قد بدأ مع بقية العلوم اللغو ية الخرى خاصة النحو والفصل بينها لم يكن ظاهرا إلى غاية القرون المتأخرة إذ نجد أمهات ومصادر اللغة الولى تجمع بين دفتيها علوم اللغة كلها وأولها كتاب سيبويه(ت 80 ه). Peu de gens, sauf s'ils apprennent une seconde langue, ajoutent, soustraient ou changent quoique ce soit»- - à leurs schèmes fondamentaux une fois qu'ils ont passé l'adolescence». Introduction à la Linguistique, par H.A Gleason, p - لغة القرآن الكريم د.عبد الجليل عبد الرحيم مكتبة الرسالة الحديثة عمان الردن ط 0 ه ص 8.

14 فهذا أبو السود ال دؤلي (ت 69 ه) كان أ ول من استعان بال شفاه في نقط المصحف ال شريف إذ قال لكاتبه: «إذا رأيتني لفظت بالحرف فضممت شفتي فاجعل أمام الحرف نقطة فإذا ضممت شفتي بغنة فاجعل نقطتين فإذا رأيتني قد كسرت شفتي فاجعل أسفل الحرف نقطة فإذا كسرت شفتي بغنة فاجعل نقطتين فإذا فتحت شفتي فاجعل على الحرف نقطة فإذا فتحت شفتي بغنة فاجعل نقطتين». وعلى بساطة هذه المقالة إل أ نها تحمل بدايات نشوء المصطلح اللغوي واستقراره وأ ن أصل المصطلح الصوتي ماد ي أكثر من كونه عقليا أو تجريديا م ما ل يفتح مجال للتشكيك في جهود الوائل في صنع وبناء الدراسة الصوتية وهذا خلف ما حدث مع الدراسات النحوية حين حاول بعض العلماء إثارة الجدل حول أصولها التي تعود على زعمهم إلى جهود الهنود أو اليونان. ويأتي بعد أبي السود نصر بن عاصم (ت 98 ه) ويرتب الحروف العربية وين قطها ويق دم للمسلمين عامة عمل جلي ل يبعدهم عن ال لبس في قراءة الحروف. وتتج لى أهم ية عمله في الجمع بين الصوت وصورة الحرف فأعجم المصحف ومن ث م ت م تعويض نقط أبي السود ال دؤلي بصور صغيرة للحرف فكانت ال ضمة واوا صغيرة والكسرة يا ء صغيرة والفتحة ألفا صغير ة. وينسب هذا العمل أيضا للخليل بن أحمد( 75 ه) الذي جعل لحركات الحروف صورا من حروف المد المعروفة. ويعد الخليل(ت 75 ه) بن أحمد الفراهيدي من أبرز علماء القرن الثاني للهجرة الذين قدموا أعمال قيمة في مجال الدراسات اللغوية لعل أهمها تحديد أوزان الشعر وبحوره من جهة وتصنيف معجم العين الذي حاول فيه استيفاء كلم العرب. واتسم الخليل بن أحمد (ت 75 ه) بالتفكير المنظم والمنطق»فهو الذي ب سط النحو - المحكم في نقط المصاحف أبو عمرو الداني(ت ه) تحق عزة حسن مط دمشق 960 ص. ويراجع التقان في علوم القرآن جلل الدين السيوطي دار المعرفة بيروت /9. وقد ورد النص فيه برواية أخرى وهي:«إذا رأيتني فتحت فمي بالحرف فأنقط نقطة فوقه وإن ضممت فمي فأنقط بين يدي الحرف وإن كسرت فاجعل النقطة من تحت». - ينظر ضحى السلم أحمد أمين ط القاهرة مط لجنة التأليف والترجمة والنشر ( 7 ه - 95 م) /9 - ينظر القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية عبد العال سالم مكرم ط 965 مط دار المعارف ص 66

15 ومد أطنابه وسبب علله وفتق معانيه وأوضح الحجاج فيه ح تى بلغ أقصى حدوده. فقد كان لرائه الثر البارز في ثم لم يرض أن يؤلف فيه حرفا أو يرسم منه رسم ا..«. من جاء بعده فقد ر تب حروف معجمه العين على أساس صوتي. ولعل أسباب ذلك كثيرة ومن أرجحها إدراكه للصوت وقيمته وتأثيره في بقية الصوات المجاورة له مما دفعه إلى البتعاد عن الترتيب اللفبائي. ويحدد الخليل بن أحمد (ت 75 ه) عدد الحروف العربية بتسعة وعشرين حرفا جامعا بين الحروف الصحيحة واللينة وفي ذلك يقول :» في العربية تسعة وعشرون حرفا صحاحا لها أحياز ومخارج وأربعة هوائية وهي: الواو والياء واللف اللينة والهمزة«. وليس المهم عدد الحروف وطبيعتها الواردة في النص بقدر أهمية المصطلحات الواردة فيه لن الخليل(ت 75 ه) استعمل مجموعة من المصطلحات تبدو لول وهلة متداخلة ومترادفة مثل أحياز ومخارج ولكنها في الواقع دقيقة دقة واضعها وفي هذا الصدد وجد بعض الدارسين غموضا يحيط بها:»... وبعد أبي السود تتضح مخارج الحروف وتتنوع أكثر عند الخليل(ت 75 ه) في شيء من غموض المصطلح وترادف اللفاظ«. فقد استعمل الخليل(ت 75 ه): -المبدأ 5 -المخرج 6 -المدرج 7 -الحيز ولكل مصطلح تحديد خاص به أثناء الستعمال فالخليل(ت 75 ه):»... يوظف مصطلحي المخرج والمدرج في التعبير عن موضع حدوث الصوت. ويفهم من حديثه - ضحى السلم أحمد أمين /70 - العين الخليل(ت 75 ه) بن أحمد الفراهيدي تحق د.عبد ا درويش مطبعة العاني بغداد. /6 86/967 - الحروف العربية وتبدلتها الصوتية في كتاب سيبويه(ت 80 ه) مكي درار رسالة ماجستير جامعة وهران سنة 98/985 ص ينظر العين./65-5 ينظر العين./57-6 ينظر العين./57-7 ينظر العين./6 5

16 أيضا أنه يريد بمخرج الصوت موضع حدوثه مفردا مستقل. ويريد بالمدرج موضع مجموعة أصوات متقاربة. ويرادف المدرج في معناه عند الخليل(ت 75 ه) الحيز أيضا...«. ويتحدد توزيع الخليل(ت 75 ه) للصوات العربية على الجهاز النطقي كالتي: أ- أصوات الجوف وتضم الهمزة وحروف اللين وهي اللف والواو والياء وبذلك يخرجها من الحياز والمدارج التي وزع عليها بقية الصوات مع لل رأيه بقوله:»فأما الهمزة فسميت حرفا هوائيا لنها تخرج من الجوف...«. وعلى هذا الساس جعل الخليل(ت 75 ه) الهمزة واللف والواو والياء في حيز واحد وهو الجوف وقد يتساوى مصطلح الجوف عنده مع أقصى الحلق حين أما بقية يقول:» وأما الهمزة فمخرجها من أقصى الحلق مهتوتة مضغوطة«. الحروف فتتوزع كما يأتي: ب الحلق: - الحيز الول: وفيه مخرج العين والهاء والحاء -الحيز الثاني: وفيه مخرج الخاء والغين. يقول الخليل(ت 75 ه):»فالعين والحاء والهاء والخاء والغين حلقية لن مبدأها من الحلق«. ويقول أيضا:» وأما مخرج العين 5 والحاء والهاء والخاء والغين فالحلق«. ج -الفم: ويضم: - اللهاة: وهي حيز لمخرج القاف والكاف يقول الخليل(ت 75 ه):» والقاف والكاف لهويتان لن مبدأهما من اللهاة«. 6 ويحدد أكثر في قوله:»وأما مخرج الجيم - الحروف العربية وتبدلتها الصوتية في كتاب سيبويه(ت 80 ه) مكي درار ص 89 - العين /6 /57 - العين /57 - العين /57-5 العين /57-6 العين 6

17 والقاف والكاف فمن بين عكدة اللسان وبين اللهاة في أقصى الفم«. والخليل(ت 7 5 ه) هنا يجعل الجيم في حيز واحد مع القاف والكاف. - شجر الفم: ويسميه الخليل(ت 75 ه):» مفرج الفم«. ويندرج فيه الجيم والشين والضاد. فهو يقول الخليل(ت 75 ه):»والجيم والشين والضاد شجرية لن مبدأها من شجر الفم أي مفرج الفم«. - أسلة: ويحدده بقوله:» مستدق طرف اللسان«. 5 وهذا الحيز يضم الصاد والسين والزاي يقول الخليل(ت 75 ه):»والصاد والسين والزاء أسلية لن مبدأها من أسلة 6 اللسان«. - نطع الغار العلى: ويضم هذا الحيز مخرج الطاء التاء والدال. يقول الخليل(ت 7 75 ه):» والطاء والتاء والدال نطعية لن مبدأها من نطع الغار العلى«. 5- اللثة: ويضم هذا الحيز مخرج الظاء والذال والثاء يقول الخليل(ت 75 ه): 8»والظاء والذال والثاء لثوية لن مبدأها من اللثة«. 6- ذلق اللسان: وهو طرف عند الخليل(ت 75 ه) لقوله:»ول ينطلق طرف اللسان إل بالراء واللم والنون«. 9 ويضم هذا الحيز مخرج الراء واللم والنون يقول الخليل(ت 75 ه):»والراء واللم والنون ذلقية لن مبدأها من ذلق اللسان وهو تحديد 0 طرفي ذلق اللسان«. 7- الشفاه: ويضم هذا الحيز مخرج الفاء والباء والميم. وهذه الصوات شفهية يقول الخليل(ت 75 ه):»ل تعمل الشفتان في شيء من الحروف ال صحاح إل في هذه الحروف الثلثة«. ويقول أيضا:»والفاء والباء والميم شفوية وقال مرة شفهية لن مبدأها من الشفة«. - ورد في لسان العرب»العكدة أصل اللسان و الذنب وعقدتة... العكدة أصل اللسان«. لسان العرب /9. - العين /57 /65 - العين /65 - العين /65-5 العين /65-6 العين /65-7 العين - 8 العين /65 /57-9 العين /65-0 العين /57 - العين /65 - العين 7

18 ويتحدث الخليل(ت 75 ه) عن حروف الذلق والشفاه مبينا علة التسمية في حروف الذلق قائل:» اعلم أن الحروف الذلق والشفوية ستة وهي: ر ل ن ف ب م. وإنما سميت هذه الحروف ذلقا لن الذلقة في المنطق هي بطرف أسلة اللسان والشفتين وهما مدرجتا هذه الحرف الستة منها ثلثة ذليقة: ر ل ن تخرج من ذلق اللسان من طرف غار الفم وثلثة شفوية: ف ب م مخرجها من بين الشفتين خاصة«. وبهذا يكون ترتيب الصوات عند الخليل(ت 75 ه) كما يأتي: لقوله:» فهذه صورة الحروف التي ألفت منها العربية على الولء وهي تسعة وعشرون حرفا: ع ح ه خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ظ ذ ث ر ل ن ف ب م فهذه الحروف الصحاح و ا ى ء فهذه تسعة وعشرون حرفا منها أبنية كلم العرب«. واهتمام الخليل(ت 75 ه) بمخارج الصوات ل يعني أبدا إهماله لصفاتها لكنه آثر الولى بالتدقيق والتمحيص لما رأى أن توضيحها يخدم المعجم لنه اعتمدها في تنظيم مادته المعجمية وغايته تمييز كلم العرب لكون بعض الصوات ل تتجاور في كلم العرب لقرب مخارجها. لقد حدد الخليل(ت 75 ه) صفات للصوات. فأما النظرة الولى فكانت بحسب المخارج فالمخارج عنده تسعة: الحلقية واللهوية والشجرية والسلية والنطعية وال لثوية والذلقية وال شفوية والجوفية أو الهوائية. وأما النظرة الثانية فكانت صفات الحروف بحسب الصوت عينه التي كانت قليلة مقارنة بالمخارج حيث أنه :»...إن صح كل ما في كتاب العين...فإنه ل يعدو أن يكون إشارات عابرة في المخارج وإغفال لمصطلحات الصفات«. وقد تكون صفة الميم المطبقة أهم صفة صريحة وجدت عند الخليل(ت 75 ه) في كتابه العين لنها «تطبق الفم إذا نطق بها«. إلى جانب بعض - العين /57 - العين /65 - الحروف العربية وتبدلتها الصوتية في كتاب سيبويه(ت 80 ه) مكي درار ص 9 - العين /65 8

19 المصطلحات التي استخلصها بعض الدارسين بعد الخليل(ت 75 ه) كلفظ (أنصع ونصاعة) ويقصد بهما الخليل(ت 75 ه) الهمس والجهر إضافة إلى (الستعلء والنخفاض). قدم الخليل(ت 75 ه) صرحا معبدا لمن جاء بعده ليواصل العمل في المجال الصوتي فقد استطاع في معجم العين حصر مفردات اللغة العربية مستعملها ومهملها من خلل التقليبات في أبنية الحروف وقاده ذلك إلى تقديم دراسات صوتية وصرفية ومعجمية جادة لما رآه من قصور في الرسائل اللغوية المتخصصة التي لم تف بغرض جمع اللغة مثل رسائل الشجر والنخل والنسان للغويين متخصصين كالصمعي (ت ه) وأبي زيد (ت 5 ه) وغيرهما. كما أدى عمل الخليل(ت 75 ه) إلى ميلد معجمه العين الذي ضم المصطلحات المؤسسة لعلم الصوات. ويكفي أنه صاحب الفكرة الطفرة لنها سبقت عصرها» فل الخليل(ت 75 ه) ول غيره ممن أتى بعده من أصحاب المعاجم استطاعوا أن يجمعوا اللفاظ العربية كلها...». وبعد الخليل(ت 75 ه) جاء تلميذه سيبويه(ت 80 ه) الذي قدم لنا كتابا جامعا لمختلف علوم اللغة فضمنه معلومات وأبحاثا هامة في مجال الصوتيات. فقد تحدث تتوزع كالتي: عن مخارج الصوات وجعلها ستة عشر مخرجا أ الصدر لقد أدرك المحدثون دور الصدر في إنتاج صفة الجهر في الصوت عند سيبويه(ت 80 ه) حيث يقول عبد الصبور شاهين:»...وهنا يبدو سيبويه(ت 80 ه) - ينظر مقدمة تهذيب اللغة أبو منصور الزهري تحق بسام عبد الوهاب الجابي ط 985 دار البصائر دمشق سوريا ص 60 - ينظر مقدمة تهذيب اللغة ص 65 - ضحى السلم 7 / - الكتاب سيبويه(ت 80 ه) أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر تحق عبد السلم محمد هارون الهيئة المصرية العامة للكتاب 95 ه / 975 9

20 وكأنه يتصور أن بالرئة خاصة عضوية لنتاج الصوت المجهور وأن هذه الخاصة العضوية تنشط في هذه الحالة نشاطا يتوقف معه النفس...فلعله استبعد أن تقوم الرئتان بأداء وظيفتين في آن واحد وظيفة التنفس ووظيفة الجهر بالصوت«. وتتضح صورة سيبويه(ت 80 ه) حول دور الصدر في إصدار الصوات حين يشرح العتماد الذي يراه في نقطتين من جهاز التصويت» وتزداد فكرة العتماد وضوحا لدى سيبويه(ت 80 ه) حين نجده يجعل له مركزين في الصدر والفم«. ب الحلق:» فللحلق منها ثلثة» مخارج: أقصى الحلق:«فأقصاها مخرجا الهمزة والهاء واللف». 5 وسط الحلق:» ومن أوسط الحلق مخرج العين والحاء». 6 أدنى الحلق:«وأدناها مخرجا من الفم الغين والخاء». ج الفم: 7 ونجد فيه: 8 اللسان: ويتحدث عن أقسامه من أقصاه إلى وسطه إلى حافة اللسان وظهره. 9 الحنك العلى 0 الشفتان ويذكرهما في قوله:«ومما بين الشفتين مخرج الباء والميم والواو». ويذكر أيضا باطن الشفة السفلى. السنان: ويندرج تحتها الضراس والثنايا يذكرها مرتبطة باللسان ويجعلها ثلثة 6 أقسام: أصول الثنايا وما فويق الثنايا وأطراف الثنايا 5 وأطراف الثنايا العليا - أثر القراءات في الصوات والنحو العربي عند أبي عمرو بن العلء د.عبد الصبور شاهين مكتبة الخانجي بالقاهرة ط 08/987 ص 0 - أثر القراءات في الصوات والنحو العربي عند أبي عمرو بن العلء ص 0 - الكتاب / - الكتاب / - 5 الكتاب / - 6 الكتاب / 7 - ينظر الكتاب / - 8 ينظر الكتاب / - 9 ينظر الكتاب / - 0 الكتاب / - ينظر الكتاب / - ينظر الكتاب / - ينظر الكتاب / - ينظر الكتاب / - 5 ينظر الكتاب / - 6 ينظر الكتاب / 0

21 د الخياشم:» ومن الخياشم مخرج النون الخفيفة». وجعل الخياشم أصل الغنة لخروج بعض هواء الفم فيه يقول:«...إل أن النون والميم قد يعتمد لهما في الفم الخياشم فتصير فيهما غنة». مما سبق نلحظ أنه يوجد اختلف بين الخليل(ت 75 ه) وسيبويه(ت 80 ه) الذي حذا حذوه بعض العلماء مثل الفراء(ت 07 ه) والمازني(ت 7 ه) والمبرد(ت 85 ه). فقد رتب سيبويه(ت 80 ه) الحروف ترتيبا صوتيا مخالفا الخليل(ت 75 ه) في بعض التفاصيل كالهمزة التي يبدأ بها سيبويه(ت 80 ه) ويؤخرها الخليل(ت 75 ه). والحروف عند سيبويه(ت 80 ه) تسع وعشرون لها صوت وصورة ويعدها أصل لحروف العربية وهي:»الهمزة اللف والهاء والعين والحاء والغين والخاء والكاف والقاف والضاد والجيم والشين والياء واللم والراء والنون والطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين والظاء والذال والثاء والفاء والباء والميم والواو«. وهناك ستة أخرى مستحسنة سماعية شفاهية دون صور خطية وقد ذكر ذلك سيبويه(ت 80 ه) حين قال:» ل تتبين إل بالمشافهة» وهي النون الخفيفة بين بين اللف الممالة إمالة شديدة والشين التي كالجيم والصاد القريبة من الزاي وألف التفخيم وهذه تكثر في قراءة القرآن وتجويده 5 ويعدها سيبويه(ت 80 ه) فروعا لقوله:«وتكون خمسة وثلثين حرفا بحروف هن فروع وأصلها من التسعة والعشرين 6 وهي كثيرة يؤخذ بها وتستحسن في قراءة القرآن والشعار». - الكتاب / - الكتاب / - الكتاب./ - الكتاب / 5 - ينظر الكتاب / الكتاب /6

22 وفي كلم العرب أيضا ثمانية أخرى مستهجنة وهي أيضا أصوات نطقية ل تملك صورة خطية إذ ليس لها مقابل في نظام الكتابة وهي:»الكاف التي بين الجيم والكاف الجيم التي كالكاف الجيم التي كالشين الضاد الضعيفة الصاد التي كالسين والطاء التي كالتاء والظاء التي كالثاء والباء التي كالفاء«. ويكون بذلك قد سطر سيبويه(ت 80 ه) الغاية من دراسته لصوات اللغة العربية فوضح وضبط قوانين هذه الصوات حين تجاورها بأصوات أخرى في بنيات لغوية مستقلة حيث تظهر قيمة الصوت المنفرد فسيبويه(ت 80 ه) لم يعن بالصوات منفردة إل لهتمامه بها داخل ألفاظ وجمل وبين مزايا كل صوت منفرد لن إدراك صفاته ومخارجه ييسر معرفة التأثر والتأثير أثناء مجاورته لصوات أخرى ول أدل على ذلك من اهتمام سيبويه(ت 80 ه) بأصوات ليس لها صور خطية. ويكفي أن تكون الدراسات الصوتية ذات أبعاد أخرى غايتها ضبط النطق وتحسين القراءة والتلفظ من خلل إثارة مواضيع الدغام والهمز والتخفيف وغيرها من مواضيع ذات صلة بمجالت أخرى أهمها الصرف. ويكون سيبويه(ت 80 ه) بذلك قد خدم اللغة العربية وتلك كانت غايته من دراسة أصواتها وقد تبعه في ذلك معظم الدارسين اللغويين وساروا على ما وصل إليه من نتائج وآراء. وهذا ينفي رأي هنري فليش القائل بأن غاية الدراسة اللغوية عند الوائل كسيبويه(ت 80 ه) كانت تفسير الدغام. فيذهب شعبان عوض عكس ماذهب إليه فليش فيرى أن «...الدرس الصوتي في كتاب سيبويه(ت 80 ه)... كان متناثرا في - جعل سيبويه(ت 80 ه) الجيم التي كالكاف والجيم التي كالشين صوتا واحدا مما يجعل هذه الحروف عنده سبعة في حين هي ثمانية ومجموعها بذلك ثلثة وأربعون لكن عدها سيبويه(ت 80 ه) اثنان وأربعون لقوله:«وهذه الحروف التي تممتها اثنين وأربعين جيدها ورديئها أصلها التسعة والعشرون ل تتبين إل بالمشافهة». الكتاب / ولن نسهب في الحديث عن مخارج الحروف عند سيبويه(ت 80 ه) والمازني والمبرد وسنكتفي بقول سيبويه(ت 80 ه) في كتابه:»وإنما وصفت لك حروف المعجم بهذه الصفات لتعرف ما يحسن فيه الدغام وما يجوز فيه وما ل يحسن فيه ذلك ول يجوز فيه وما تبدله استثقال لما تدغم وما تخفيه وهو بزنة المتحرك» الكتاب /6. - الكتاب / - ينظر التفكير الصوتي عند العرب في ضوء سر صناعة العراب لبن جني هنري فليش تعريب وتحقيق عبد الصبور شاهين الهيئة العامة لشؤون المطابع الميرية القاهرة 88 ه/ 968 م ص.

23 الكتاب...». ول يعكسه قوله: «إنما وصفت لك حروف المعجم بهذه الصفات لتعرف ما يحسن فيه الدغام وما يجوز فيه وما ل يحسن فيه ذلك ول يجوز فيه وما تبدله استثقال كما تدغم وما تخفيه وهو بزنة المتحرك». وفي الحقيقة يبقى في نص سيبويه(ت 80 ه) إشارات أخرى غير الدغام كالبدال والخفاء وهذا ما يوضح تقديم سيبويه(ت 80 ه) لصفات الصوات ومخارجها ففسر أول الدغام وصاغ قوانينه وكان هذا خطوة نحو دراسة فونولوجية خالصة تهتم بالتمازج الصوتي وتآلفه داخل بنيات لفظية وتركيبية. وبقي ال درس ال صوتي على حاله طيلة القرون ال ثلثة الولى إلى أن طالعنا أبو الفتح عثمان ابن جني (ت 9 ه) ب"س ر صناعة العراب" ويعد أ ول كتاب خالص في علم الصوات إذ يصرح فيه بوجود علم خالص بالصوت والحرف يقول: «...أن أضع كتابا يشتمل على جميع أحكام حروف المعجم وأحوال كل حرف منها وكيف مواقعه في كلم العرب وأن أتقصى القول في ذلك وأشبعه وأؤكده فاتبعت ما وسمته وانتهيت إلى ما مثلته». ويعد الكتاب مصدرا خالصا في الصوات بشهادة صاحبه ابن جني حين يذكر غاية الكتاب المقصودة والنفع المرجو منه يقول:«وإنما الغرض فيه ذكر أحوال الحروف مفردة أو منتزعة من أبنية الكلم التي هي مصوغة فيها لما يخصها من القول في أنفسها وأقروا ذلك شيئا فشيئا على تأليف حروف المعجم دون مدارج الحروف...». وقد أدرك أن للصوت وطريقة إصداره خاصة في التجويد علقة بفن الموسيقى يقول:»..أردنا بهذا التمثيل الصابة والتقريب وإن لم يكن هذا الفن مما لنا - التعليل اللغوي في كتاب سيبويه(ت 80 ه) شعبان عوض محمد العبيدي منشورات جامعة قان يونس بنغازي ليبيا ط 999 م ص 57 - الكتاب /6 - سر صناعة العراب أبو الفتح عثمان بن جني دراسة وتحقيق حسن هنداوي دار القلم دمشق سوريا ط ه/ 99 م / - سر صناعة العراب /5

24 ول لهذا الكتاب به تعلق ولكن هذا القبيل من هذا العلم أعني علم الصوات والحروف له تعلق ومشاركة للموسيقى لما فيه من صنعة الصوات والنغم«. ويكون ابن جني بهذا قد مهد الطريق لدراسة الصوات حيث ربطها بالزمن والنغم الموسيقيين. وتتجلى مقارنة الصوات بالموسيقى عنده في تشبيه الجهاز ال نطقي بالناي إذ يقول:»شبه بعضهم الحلق والفم بال ناي فإن الصوت يخرج فيه مستطيل أملس ساذجا كما يجري الصوت في اللف غفل بغير صنعة فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المنسوقة وراوح بين أنامله اختلفت الصوات وسمع لكل خرق منها صوت ل يشبه صاحبه». واختلف الصوات عند ابن جني في السماع كاختلف نغمات وتر العود حيث يقول: «ونظير ذلك أيضا وتر العود فإن الضارب إذا ضربه وهو مرسل سمعت له صوتا فإذا حصر آخر الوتر ببعض أصابع يسراه أدى صوتا آخر فإن أدناها قليل سمعت غير الثنين ثم كذلك كلما أدنى أصبعه«. ويشرح ابن جني الصورة بقوله: «الوتر في هذا التمثيل كالحلق والخفقة بالمضراب كأول الصوت من أقصى الحلق وجريان الصوت فيه غفل...وما يعترضه من الضغط والحصر بالصابع كالذي يعرض للصوت في مخارج الحروف من المقاطع واختلف الصوات كاختلفها هنا». وبالنظر لما جاء به ابن جني يمكن القول أن علم الصوات قد نضج واستوى معه كما استقر معه المصطلح الصوتي رغم تنوعه واختلفه منذ نشأته إذ نجد الخليل(ت 75 ه)مثل يستعمل موضع وحيز ومدرج 5 أما سيبويه(ت 80 ه) - سر صناعة العراب /9. - سر صناعة العراب /8 و 9 - سر صناعة العراب /9 - سر صناعة العراب /9 5 - ينظر كتاب العين /65

25 فيستعمل المخارج وابن دريد(ت ه) مجاري الحروف ويستعمل ابن جني(ت 9 ه) المقاطع. ولعل ما قام به ابن جني في القرن الرابع الهجري يعد حوصلة ما قدمه أسلفه في القرون التي سبقته من الدراسة والبحث والتمحيص والستنتاج مما ولد رؤى مستجدة في دراسة الصوت اللغوي في القرن الخامس الهجري إذ خاض فيه علماء بلغيون وفلسفة أطباء وقراء مجودون مجال الدراسة الصوتية بخلفية تخصصية جعلت نتائج تلك الدراسات تختلف عن سابقاتها في القرون الولى حيث: «تكاد تتلخص جهود اللغويين والنحاة في دراسة الصوات العربية حتى أواخر القرن الرابع الهجري بما كتبه الخليل(ت 75 ه) بن أحمد (ت 70 ه) في مقدمة كتاب العين عن مخارج الحروف وصفاتها. وسيبويه(ت 80 ه)( أبو بشر عمرو بن عثمان ت 80 ه) في (الكتاب) في باب الدغام خاصة. والمبرد ) أبو العباس محمد بن يزيد ت 85 ه) في كتاب(المقتضب) في أبواب الدغام وابن دريد أبو بكر محمد بن الحسن ت ه) في مقدمة جمهرة اللغة. والزجاجي ) أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق ت 7 ه) في آخر كتاب الجمل في باب الدغام. والزهري (أبو منصور محمد بن أحمد ت 70 ه) في مقدمة تهذيب اللغة. وأخيرا ابن جني( أبوالفتح عثمان ت 9 ه) في سر صناعة العراب. وهناك نتف أخرى متناثرة في بعض الكتب». - ينظر الكتاب /. - ينظر جمهرة اللغة محمد بن الحسن الزدي بن دريد طبعة حيدر آباد الدكن الهند ه /8. - ينظر سر صناعة العراب /6. - الدراسات الصوتية عند علماء التجويد د. غانم قدوري الحمد ط مطبعة الخلود بغداد 06 ه 986 م ص 9. 5

26 الفصل الول 6

27 ال صوت الطبيعي واللغوي - الصوت ومفهومه - الصوت الطبيعي والعوامل المؤثرة فيه - مصدر الصوت - أسباب حدوث الصوت - مفهوم القراءة والتجويد والترتيل - صفات القراءة الصحيحة الصوت ومفهومه جاء في لسان العرب لبن منظور أن الصوت هو الجرس وهو النداء والصياح يقول: «صات يص وت...وص وت به...نادى ويقال ص وت فهو مص وت وذلك إذا ص وت بإنسان فدعاه ويقال صات...فهو صائت معناه صائح». ويكون الصوت بهذا المعنى منطبقا على النسان وغيره. - ينظر لسان العرب /6. - لسان العرب ابن منظور /6. 7

28 وفرق ابن سينا (ت 7 ه) بين الصوت والصياح بقوله: «الصياح فهو لجميع من له حنجرة ورئة» وهو للنسان والحيوان على حد سواء. كما يميز بين الصوت والصياح والكلم فيجعل الكلم للنسان في قوله: «فأما الكلم فهو للنسان خاصة وله تقطيع الحروف الصامتة باللسان وإرسال المصوتة عن الرئة». ول يكون الصياح في النسان إل إذا كان أصما«والذي يولد من الناس أصما فله صياح وليس له كلم». وينطبق هذا مع ما توصل إليه المحدثون فمثل يذكر محمود السعران بأن الصوت اللغوي هو«أصوات يحدثها جهاز النطق النساني وتدركها الذن وهذه الصوات تؤلف بطرائق اصطلحية بكلمات ذات دللت اصطلحية». ول يعرف ابن سينا (ت 7 ه) الصوت اللغوي إل انطلقا من مصدره قائل: «الصوت فاعله التي عند الحنجرة بتقدير الفتح ويدفع الهواء المخرج وقرعه وآلته 5 ويكون هذا تعريفا للصوت اللغوي المختلف عن الصوت الطبيعي في الحنجرة...». بعض خصائصه والذي يتناوله ابن سينا (ت 7 ه) في مواضع عدة من مؤلفاته. ويفصل القاضي عبد الجبار(ت 5 ه) في ما يسميه بحبس الصوت فيرى أن الصوت أنواع ويحدث على وجوه مختلفة فأصل ميلد الصوت اللغوي هو حبسه ومنه فإن طبيعة هذا الحبس والزمن الفارق بينها يؤسس مقاطع الكلم يقول: «والصل في هذا الباب أن حبس الصوت قد يختلف الوجه الذي يحدث عليه فقد يكون صوتا مفيدا غير مقطع وقد يكون مقطعا في جنس واحد وقد يكون مقطعا في جنس - الحيوان لبن سينا راجعه وقدم له إبراهيم مدكور تحقيق عبد الحليم منتصر سعيد زايد عبدا إسماعيل بمناسبة الذكرى اللفية للشيخ الرئيس ص 6 - الحيوان لبن سينا ص 6 - المصدر نفسه ص 6 - علم اللغة مقدمة للقارئ العربي محمود السعران مطبعة دار المعارف بمصر ط 96 ص القانون في الطب لبن سينا أبي علي الحسين بن علي وضع حواشيه محمد أمين الضناوي منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط 0 ه 999 م ج / 8

29 على وجه يتصل تارة في الحدوث وينفصل أخرى وقد يحدث على وجه يكون حرفا وحروفا». إن أصل ميلد الصوت اللغوي عند القاضي عبد الجبار هو حبسه ومنه فإن طبيعة الحبس والزمن الفارق بينهما يؤسسان لمقاطع الكلم. كما يربط القاضي عبد الجبار حدوث الحبس بآلة النطق أو كما يسميها بنية الفم وغيره لن الصوت قد ينشأ عن غير ذلك حيث يقول: «وقد يحدث على وجه ل يوصف بذلك كصرير الباب وإن كان قد يكون من جنس بعض الحروف وإنما تكشف الحروف بأن يحدث الصوت في بنية ومخارج مخصوصة كبنية الفم وغيره». ويكون هذا صوتا طبيعيا وقد حدده الصفهاني(ت 65 ه) بقوله: «الصوت هو الهواء المنضغط عن قرع جسمين». وينطلق هذا التعريف من تحديد مصدر الصوت وماهيته في حين جاء تعريف ابن فارس(ت 95) للصوت باعتبار سماعه وهو على بساطته أشمل إذ يجعل السماع مقياسا للصوت مهما كانت طبيعته ومهما كان مصدره يقول ابن فارس: «الصوت الصاد والواو والتاء أصل صحيح وهو الصوت وهو جنس لكل ما وقر في أذن السامع». إن الصوت ظاهرة طبيعية مدركة من السامع قبل الناطق فلول السامع لما تحقق وجود الناطق لن تعلم النطق يستدعي سماعه حتى يتمكن من تقليده. هذه الصفة الدراكية السمعية جعلت طبيعة الصوت عامة منتجة من جموع ظواهر طبيعة مختلفة فيكون الصوت طاقة أو شكل من أشكال الطاقة المنتجة لوجود - المغني في أبواب التوحيد والعدل إملء القاضي أبي الحسن عبد الجبار السد آبادي ) 5 ه) ج 7 خلق القرآن قوم نصه إبراهيم البياري بإشراف د/ طه حسين الجمهورية العربية المتحدة وزارة الثقافة والرشاد القومي الغدارة العامة للثقافة ص 6. - خلق القرآن ص 7. - المفردات في غريب القرآن للحسين بن محمد الراغب الصفهاني تحق/ محمد أحمد خلف ا مكتبة النجلو المصرية ص 5 و 6. - معجم مقاييس اللغة أبو الحسن أحمد بن زكريا بن فارس تحق/ عبد السلم هارون ط 99 ه م دار الفكر. 9

30 جسم طبيعي أو غير طبيعي في حالة اهتزاز أو تذبذب فيصدر عن ذلك تموجات معينة تنقل عبر وسط معين ناقل لتلك الذبذبات إلى أن تصل إلى أذن السامع. وقد أصبح هذا المجال يختص به دارسون في إطار علم الصوات الكوستيكي وهو «علم حديث العهد بالوجود نسبيا...إنه يمثل المرحلة الوسطى بين علم الصوات النطقي وبين علم الصوات السمعي». ويحدد إخوان الصفا أنواع الصوات بنوعين: أ- غير حيواني: وينقسم بدوره إلى قسمين: - أصوات طبيعية كالحجر والحديد والخشب والرعد والريح وكافة الجسام التي ل تملك روحا من الجمادات. - أصوات آلية كصوت الطبل والبوق والزمر والوتار وما شاكلها وقد يدخل في هذا الجزء ما حاول القدماء والمعاصرون من إصدار أصوات آلية هجائية لصوات البشر. كما يوضح إخوان الصفا كيفية حدوث الصوت فيزيائيا انطلقا من حركة الهواء نفسه وهذا ما ل نجده في التعاريف السابقة حين تربط الصوت بالجسم المتحرك وليس بتحرك الهواء المتسبب في حركة الجسم. فالصوت اللي «هو هواء يتقلب بين جسمين متصادمين بعنف فيصك الهواء الراكد في آلة السمع». ب- الصوات الحيوانية: وهي نوعان كذلك: - غير منطقية :مثل أصوات سائر الحيوانات غير الناطقة 5 والتي يصطلح عليها ابن سينا (ت 7 ه) صياحا وينسب إليها الصوات غير النطقية لقوله:«وأما الصوات - علم الصوات اللغوية الفونيتيكا عصام نور الدين دار الفكر اللبناني ط بيروت لبنان 99 ص 9 - ينظر رسائل إخوان الصفا وخلن الوفا موفم للنشر الجزائر 99 م /9. - ينظر رسائل إخوان الصفا /9 - رسائل إخوان الصفا /9-5 ينظر رسائل إخوان الصفا /9 0

31 الخرى فقد تحدث عن غير الحيوان وقد تحدث عن الحيوان ل بالصياح بل بنوع من الصوت آخر مثل صفق اليدين ومثل أصوات المحززات عن صفاتها». - أصوات منطقية: وهي الصوات البشرية وهي نوعان: - غير دالة وهي أصوات طبيعية مشتركة بين جميع البشر كصوت الضحك والبكاء وأصوات الشخير والسعال وهي أصوات تعبيرية انفعالية تحمل معاني موحدة وواحدة بين جميع الناس. ويحددها إخوان الصفا في أنها» كل صوت ل هجاء له». والنطق انطلقا من هذا التعريف يبقى حقيقة بشرية خاصة إذا قابلناه بالصمت كما ورد عند ابن سنان حين يقول:«قد ثبت أن الفرق الواضح بين الحيوان الناطق والصامت هو النطق و به وقع التمييز في الحد المنسوب إلى الحكيم [أرسطو] وإن كان يفسره أصحابه بغير هذا الظاهر...». ويعطي الصفهاني(ت 95 ه) بعدا آخر للنطق حين ل يرى له هيئة معينة وطبيعية محددة إذ يقول:» فالكتاب ناطق لكن نطقه تدركه العين كما أن الكلم كتاب لكن يدركه السمع». لقد انتقل من معنى النطق المتعارف عليه عند العلماء «الصوات المقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها الذن» - 5 فيكون النطق بذلك خاصا بالبشر المالكين لقدرة تقطيع الحروف وتركيبها إلى كون النطق القوة على النطق يقول عز وجل في كتابه العزيز الحكيم: ) ال ذي أن ط ق ك ل ش ي ء وه و خل ق ك م و قا لوا ل ج لو د ه م ل م ش هد ت م عل ي نا قا لوا أن طق نا ا أ و ل م ر ة وإ ل ي ه ت ر ج عو ن ( 6. ومنه جاء المنطق يقول الصفهاني: «... ويسمي المنطقيون القوة التي منها النطق نطقا وإياها عنوا حيث حدوا النسان فقالوا: هو الحي الناطق المائت فالنطق لفظ مشترك عندهم بين القوة النسانية التي يكون منها الكلم وبين الكلم المبرز بالصوت وقد يقال الناطق لما يدل على - الحيوان لبن سينا ص 6 - رسائل إخوان الصفا /0 - سر الفصاحة لبن سنان أبو محمد عبد ا بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي (ت 66 ه) الحلبي شرح وتصحيح عبد المتعال الصعيدي مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولده بالزهر 89/969 ص 5 - المفردات في غريب القرآن للصفهاني ص المفردات في غريب القرآن للصفهاني ص 6 6 -فصلت:

32 شيء». ويجعل ابن سينا (ت 7 ه) هذه القوة في النفس فيربط النطق بالروح والنفس النباتية. مقابل النفس الحيوانية ويسميها النفس الناطقة إن النطق ل يتعلق بالصوت المسموع بقدر ما يرتبط بالمعنى الواقعي في نفس القارئ باعتبار دلئل واقعة في نفسه مدركة لحقيقته فالنطق هنا غير معلوم الهيئة بحيث ل يعلم أحقيقة يكون أم مجازا. ويعبر الصفهاني عن ذلك في كون النطق يتجلى في قوله: «اللفظ الذي هو كالنطاق للمعنى في ضمه وحصره». 5 ولعل ذلك يكون أقرب لقوله تعالى: (ه ذا ك تاب نا ين ط ق عل ي كم با ل ح ق إ نا ك نا ن س تن س خ ما كن ت م ت ع م لو ن ( 6 وقوله 7 جل شأنه: ) ول ن كل ف ن ف سا إ ل و س ع ها ول د ي نا ك تا ب ين ط ق با ل ح ق وه م ل ي ظل مو ن). ويربط ابن سينا (ت 7 ه) النطق بالكتابة إذ يجعل الكتابة مرحلة متأخرة عن النطق يقول: «... فاحتيج إلى ضرب آخر من العلم غير النطق فاخترعت 8 وهذا المبدأ تبنته أيضا العديد من أشكال الكتابة وكله بهداية إلهية وإلهام إلهي». التجاهات اللسانية الحديثة كنظرية جون ليونز 9 لم تكن من قبل ثم أخضعت بعد ذلك للكتابة. Lyons John القائلة أن العديد من اللغات - أصوات دالة وهي» كالكلم والقاويل التي لها هجاء وهي تقطيع الصياح بانضمام أجزاء الفم فتحدث منه حروف كما تضم الشفتين بنوع ما فتحدث الباء وتضم بنوع 0 آخر فتحدث الميم». و يبقى هذا التعريف غير ملم بمفهوم الصوت اللغوي الدال لنه أغفل تقطيع النفس لصدار أصوات أخرى غير الشفوية. - المفردات في غريب القرآن للصفهاني ص ينظر النفس لبن سينا تحقيق جورج قنواتي وسعيد زايد تصدير ومراجعة إبراهيم مدكور بمناسبة الذكرى اللفية للشيخ الرئيس ص - ينظر النفس ص - ينظر النفس ص 5 - المفردات في غريب القرآن للصفهاني ص الجاثية: المؤمنون: 6-8 العبارة لبن سينا تصدير ومراجعة إبراهيم مدكور تحقيق محمود الخضري بمناسبة الذكرى اللفية للشيخ الرئيس ص - 9 ينظر نظرية تشومسكي اللغوية لجون ليونز ترجمة وتعليق علي جليل السكندرية مصر 995 ص و - 0 رسائل إخوان الصفا /0

33 ويضيف الصفهاني نوعا آخر من الصوات وهي الصوات الختيارية كالضرب باليد كصوت العود وما يجري مجراه يقول الصفهاني:» الصوت... وذلك ضربان: أحدهما صوت مجرد تنفس بالشيء كالصوت الممتد والخر تنفس بصوت ما وهو ضربان أيضا: أحدهما غير اختياري كما يكون من الجمادات والحيوان. والخر اختياري كما يكون من النسان وهو ضربان: ضرب باليد كصوت العود وما يجري مجراه وضرب بالفم والذي بالفم ضربان: نطق وغير نطق كصوت الناي والصوت منه إما مفرد عن الكلم وإما مركب كأحد أنواع من الكلم». هذا التعريف البسيط للصوت ينقلنا من الصوت ذاته إلى كيفية إنتاجه أوكما يسميه ابن سينا (ت 7 ه) سبب حدوثه فهول يحدد طبيعة الصوت إل من خلل ذلك لدراكه أن الصوت ناتج عن الحركة وأن هذه ل تكون إل لوجود سبب ومحرك لذلك. الصوت الطبيعي والعوامل المؤثرة فيه نجد ابن سنان(ت 66) في هذا المجال يفص ل ويحدد ميزات الصوت الطبيعي العام ويعلل وجوده. أ- الصوت مدرك - المفردات في غريب القرآن للصفهاني ص 757

34 يربط ابن سنان بين صفتي الدراك والمعقول بل يجعل الثانية نتيجة للولى وهذا ليثبت أ ن الصوت واقعي وموجود إذ يستحيل إدراك ما ل وجود له ومن هنا لم يكن الصوت شيئا مجردا بل مدركا» والصوت معقول لنه يدرك ول خلف بين العقلء في وجود ما يدرك». ب- الصوت عرض يؤكد ذلك القاضي عبد الجبار في مناقشته لعلقة الصوت بالكلم والحروف يقول: «... ولسنا نرجع بالنظام المخصوص إلى معنى سوى الحروف كما نقوله في تأليف الجسام: لن الحروف عرض ول يجوز أن يحلها عرض لن ذلك يستحيل وهنا ينفي ابن سنان عن الصوت اللغوي التجسيم ومن ثمة الصفة. على العراض». فال صوت ل جسم له أي ل يشغل حيزا مكانيا معينا ولو كان كذلك لدرك بالبصر أيضا. وهذا ما يذهب إليه ابن سنان بقوله: «فلو كان جسما لكانت الجسام جميعها مدركة بحاسة السمع». وقد يأخذ مفهوم العرض أبعادا أخرى إن اعتبرناه مقابل لغير الدوام فالصوت مرتبط بالزمن ارتباطا وثيقا من حيث المتداد وكذا بالكينونة فالمكان بالنسبة للصوت مرتبط بقوة النتشار الموجي للصوت. ويتحدث محمود محمد غالي في كتابه أئمة النحاة عن مفهوم عرضية الصوت في فكر ابن جني فيرى باختصار أن الصوت عرض وليس جوهر يقول: «فالصوت 5 عرض أي أنه عارض يخرج مع النفس وليس أساسيا لحياة الفرد كالنفس». ج-الصوات غير المتماثلة وعلى اعتبار أن الصوات ل تحدها أجسام فإنها بالطبيعة تكون مختلفة وينطبق المر على الصوات اللغوية فيرى ابن سنان استحالة تماثل الصوات لستحالة تجسيمها يقول:«... وذلك أ نا ندرك الصوات مختلفة فالراء مخالفة للزاي - سر الفصاحة لبن سنان ص 6 - خلق القرآن ص 8. - يعني بذلك الصوت - سر الفصاحة لبن سنان ص 6-5 أئمة النحاة في التاريخ د/محمد محمود غالي ط ( 99 ه- 979 م) دار الشروق جدة المملكة العربية السعودية ص 5.

35 وكذلك سائر الحروف المختلفة فإذا كانت الجسام متماثلة والصوات تدرك مختلفة 6 فليست بأجسام». ويكون التماثل في الجسام موجودا في تكرر الجسم أو الشيء المجسم في الواقع إما خلقا أو صنعا بشريا ورغم ذلك فقد يستحيل التطابق التام بين جسم وآخر تطابقا كليا. والصوات وإن تكررت منفردة فهي ل تتماثل ول تتطابق تطابقا كليا وإن كانت من مصدر واحد. فحرف الراء إن تكرر نطقه عدة مرات كان التشابه موجودا لنه صوت واحد فإن دخل الصوت عينه في بنيات لفظية مختلفة فالتماثل والتطابق التام ينتفي عنه رغم كونه صوتا واحدا وهذا لتكيفه مع أصوات سابقة ولحقة له فتنتفي عنه صفات وقد يكتسب صفات جديدة. ويدفع التمثيل هنا إلى استعمال ألفاظ هي أقرب للعامية في مفهومها منها للفصحى لتوضيح ما سبق. فإن قلنا راب بتفخيم الراء و راب بترقيق الراء. فل فرق بين اللفظين ول بين أصواتهما إل في كون اللفظ الثاني اكتسب فيه حرف الراء صفة الترقيق ورغم هذا الخلف البسيط فإن معنى اللفظين سيختلفان لدرجة التضاد التام فراب من الرائب ويطلق على الحليب السائل إذا مضى عليه مدة من الزمن فتخثر وسار قطعة متماسكة تأخذ شكل الناء الذي حوى الحليب سائل أما راب الثانية فإنها تحمل معنى النهيار والتشتت والتفكك بعد التماسك والصلبة والقوة فنقول حائط رايب بمعنى آيل للسقوط في أية لحظة لقدمه وذهاب التماسك الذي كان عليه حين شيد بفعل عوامل الطبيعة والزمن أو بفعل النسان. وهذا يؤكد أن الترقيق والتفخيم يؤيدان إلى الختلف بين دللة الكلمات. - 6 سر الفصاحة ص 6 5

36 لذا فالتماثل في الصوت الواحد قد ل يكون موجودا ول يكون كذلك عند انتقال الصوت في الهواء ليصل إلى أذن السامع وتبقى الذن المميز الوحيد للتطابق والختلف بين صوت وآخر وفي هذا يقول إخوان الصفا: «واعلم أن كل صوت له نغمة وصيغة وهيئة روحانية خلف صوت الخر وأن الهواء من شرف جوهره ولطافة عنصره يحمل كل الصوت بهيئة وصيغة ويحفظها لئل يختلط بعضها ببعض فتفسد هيأتها إلى أن يبلغها أقصى مدى غاياتها عند القوة السامعة». د-الصوات ليست صفات إن الصوت ظاهرة قائمة برأسها ومستقلة في غاياتها وتكيفها والصوت ذو مصدر وله صفات ومن هنا يستحيل أن يكون هو نفسه صفات لغيره فرأى ابن سنان أن الصوت ذات بنفسه وليس صفة لذات ما يقول:«...فالذي يدل على أنه ليس بصفة لجسم بل هو ذات مخالفة له أن الصوت لو كان صفة لم يخل من أن يكون صفة ذاتية أو غير ذاتية ول يجوز أن يكون صفة غير ذاتية لما بيناه من أن الدراك ل يتناول إل الصفات الذاتية. والصوت مدرك بل خلف». ه- التضاد في الصوات ونجد في هذه الميزة فريقين أحدهما يقول بتضاد الصوات والخر ينفيها ويجمع ابن سنان في كتابه سر الفصاحة آراء الفريقين فيعرض لرأي علم الهدى المرتضى(ت 6 ه) الذي ينفي التضاد في الصوات. أما الرأي المؤيد فينسبه ابن سنان لبي هاشم عبد السلم بن محمد الجبائي ويعتمد هذا على مقابلة الصوت باللون والسماع بالنظر فلما كان التضاد موجودا في اللون فل غرو أنه موجود كذلك في الصوت ثم استحالة اجتماع صوتين في مكان واحد كما اللوان ويرجع سبب ذلك إلى التضاد. - رسائل إخوان الصفا /0 - سر الفصاحة لبن سنان ص 9 - ينظر سر الفصاحة ص 9 6

37 ويقدم ابن سنان نقضا لما سبق موضحا بطلن ما ذهب إليه أبو هاشم الذي اعتمد في رأيه على أن الصوت واللون يدرك كل منهما بحاسة واحدة فكان ذلك أساسا ليتشابها في كل الصفات الساسية والعارضة وهذا طبعا غير ممكن. فإن سلمنا بوجود التضاد في اللوان لمكانية حلول لون مكان آخر دون القطع بالتضاد فيها فإن هذا ل يحدث في الصوت يقول ابن سنان:«..إن الصوتين المختلفين ليس محلهما واحدا فيقطع على تضادهما لمتناع اجتماعهما فيه في ذلك الوقت الواحد بل محال الحروف المتغايرة متغايرة وإذا كان المحلن مختلفين فل سبيل إلى القطع على التضاد باستحالة اجتماعهما في المحل لن كل واحد من الصوتين المختلفين ل يصح أن يحل محل الخر». وهذا ما ذهب إليه القاضي عبد الجبار الذي ينفي التضاد في الصوات حيث يقول:»...لن تضاد الصوات ليس بينا لدينا». ينفي ابن سنان صفة التضاد في الصوات اللغوية ويشير بذلك إلى المقابلة في الحروف ودور الحرف في البنية اللفظية ومن ثم إدراكه أن الصوت اللغوي له علقة بسياق البنية اللفظية من ناحية ودوره في تحديد المعنى. و- النتقال و الديمومة في الصوت قد نتصور الصوت منتقل في الهواء حتى يصل أذن السامع لكن ابن سنان يقول أن «الصوات تدرك بحاسة السمع في محالها ول تحتاج إلى انتقال محالها وانتقالها وكونها أعراضا منع من انتقالها». فل نستطيع التحكم في توجيه الصوت لجهة دون أخرى على خلف النظر. لهذا كان المنع في النظر ولم يكن أبدا في السماع. - سر الفصاحة ص 0 - خلق القرآن ص 8 - سر الفصاحة لبن سنان ص 7

38 وفي هذا الصدد أوجب السلم غض البصر يقول النبي(ص) «يا علي ل تتبع النظرة بالنظرة فإن لك الولى وليس لك الثانية». ولم يرو عن النبي غض السمع لنها الحاسة الوحيدة التي ل تنام ول تفتر درجة تحسسها لنها مرتبطة بالعناصر الخارجية الطبيعية وبالظواهر الفيزيائية فقد وصلنا القرآن بالتواتر سماعا. وتتدخل عوامل مساعدة في انتقال الصوت قد تكون مانعة كالمسافة فالصوت إذا كان مصدره بعيدا كان إدراكه ضعيفا أو منعدما. يتميز الصوت بعدم الستمرارية ومن ثم كان إدراكنا له مرتبطا باستمرار صدوره وفي هذا الشأن يقول ابن سنان «ول يجوز البقاء على الصوات...فإنه يعتل في المنع من بقاء الصوات بأنها لو بقيت لستمر إدراكنا لها مع السلمة وارتفاع الموانع ومعلوم خلف ذلك». فارتباط الصوت بالهواء و العوامل الطبيعية على اختلفها تنفي عنه صفة النتقال والستمرارية الدائمة يقول إخوان الصفا: «...الصوات ل تمكث في الهواء إل ريثما تأخذ المسامع حظها ثم تضمحل...» فكلما كان الجسم يحدث اهتزازا كان الصوت مستمرا. إن للستمرارية علقة بظواهر فزيائية تتصل بالجسم ال مصدر للصوت وهنا يميز ابن سينا (ت 7 ه) بين الهتزاز نفسه والستغراق الزمني ويشرح ذلك في إطار النغمة الموسيقية وزمانها وهذا كله في مجال علقة الحركة بالزمن والمسافة يقول ابن سينا (ت 7 ه):» فينقسم الزمان وتنقسم الحركة بحسب ذلك انقساما ل يقطع التصال ويشبه أن يكون كون الصوت المسموع من الوتر المنقور بنقرة واحدة الباقي زمانا الذي يسمى نغمة هو من هذا القبيل فإن هذه النغمة ستعلم في جزئيات الطبيعيات ومشاهدة أحوالها أنه ليست تحدث عن وقع المضراب على الوتر بل إنما تحدث من قرع الوتر المدفوع بالمضراب عن وصفه المنصرف عند مفارقة - حديث رقم 577 الباب الستئذان من أجل البصر - سر الفصاحة ص - رسائل إخوان الصفا /9 7/67 فتح الباري لبن حجر مصدر الكتاب موقع السلم أون لين islamonline 8

39 المضراب إلى وضعه انصرافا بقوة وحمية تقرع ما زحمه من الهواء فيصوت. ثم ل يزال مهتزا كذلك فيحدث قرع بعد قرع إلى أن يهدأ أو تكون تلك القروع مستحفظة لصوت مسموع على التصال إن كان بالحقيقة متصل كما يسمع ولم تكن القطوع من الصغر بحيث ل تحس». فالكلم المنطوق أوالتعابير الصوتية المختلفة تقع اضطرارا مرتبطة بالزمان وبتواصله أو انقطاعه وهذا ما فسره ابن سينا (ت 7 ه). وقد تناولت الدراسات الحديثة هذه الفكرة وكان ما جاءت به اللسانيات الحديثة تحت عنوان خطية الدال والحالة الخطية التواصلية للكلم في النطق والسماع أقرب لما قدمه ابن سينا فطبيعة الدال الصوتية والصوات اللغوية الملفوظة ذبذبات وتموجات فيزيائية مدركة من السامع تمنح الكلم النساني طابعه الخطي. linéarité. من هنا يكون التواصل السماعي المنطوق من الصوات ل يتصف بالنية البتة فالزمان هو الفاصل فيه فيستحيل نطق صوتين في آن واحد مما ينفي عن الصوات صفة التكرار ويستوجب ترتيبا معينا لها داخل البنيات اللفظية اللسانية فتكون القطع اللسانية الصوتية عبارة عن دوال سمعية تعتمد على الخط الزمني فتأتي هذه العناصر اللسانية متتالية على شكل سلسل معينة. كل هذا يتضح في الصورة الخطية للصوات اللغوية بحيث تكون عبارة عن توالي الدوال الخطية بشكل من الشكال إما من اليمين إلى اليسار في اللغة العربية أومن اليسار إلى اليمين في معظم اللغات المكتوبة بالحرف اللتيني أو عموديا من فوق إلى تحت كما في لغات جنوب شرق آسيا كالصينية اليابانية أو الكورية. لقد نجح ابن سينا (ت 7 ه) في إثارة ذلك كله فعبر عنه محمد صالح الضالع بقوله: «ويجرنا موضوع الستغراق الزمني إلى حديث ابن سينا عن وحدة الحركة - السماع الطبيعي ابن سينا تصدير ومراجعة إبراهيم مدكور تحقيق سعيد زايد بمناسبة الذكرى اللفية للشيخ الرئيس ص 6 و 65 - ينظر السماع الطبيعي ص 6 Éléments de linguistique générale,andré Martinet,A. Colins, Paris, 980.p6-9

40 وكثرتها وقد عرض لهذا المفهوم في إطار فلسفي ومنطقي مطبقا وممثل له من ظواهر طبيعية متنوعة ومنها ظاهرة الصوت والنغم. وقد بحث هذا المفهوم في العصر الحديث تحت مفهوم التصال والستمرارية فالكلم عبارة عن اتصال مستمر من النطق من الناحيتين الفسيولوجية والفزيائية ومع ذلك يمكن أن نحلله أو ندرسه في صورة وحدات متتابعة أو ندركه على أنه أجزاء متعاقبة». مصدر الصوت يسهل على المتمعن في الصوت الطبيعي التعرف على مصدره ودوره لنه يختلف حسب اختلف مصدره يقول القاضي عبد الجبار في هذا: «ل... إنه يختلف بحسب صلبة المحل ورخاوته وإنه ل يصح أن يوجد في القطن مثل الصوت الذي يوجد في الخشب أو الطست». فرغم بساطة مفهوم الصوت الطبيعي لتصاله بحياة النسان ووظائفه المختلفة فقد نجد له تعاريف متنوعة تحدده وتوضح اختلف الرؤى في فهمه. إن الصوت الطبيعي من حيث المصدر عامة إنما منشؤه اهتزاز جسم أو تذبذبه ولهذا يعرفه إبراهيم كايد محمد بأنه «ظاهرة طبيعية وشكل من أشكال الطاقة وهو يستلزم وجود جسم في حالة اهتزاز أو تذبذب وهذه الهتزازات أو الذبذبات تنقل عبر وسط معين حتى تصل إلى أذن النسان». ويحمل هذا التعريف طابع الصوت المحدد في الهتزاز أو التذبذب لجسم معين وبرغم اختلف الهتزاز عن التذبذب إل أن كل الوصفين يحدثان أمواجا معينة إذ الصل في الصوت هو التموج الحادث من اهتزاز أوتذبذب جسم ما. - علوم الصوتيات عند ابن سينا محمد صالح الضالع دار غريب للطباعة والنشروالتوزيع القاهرة مصر 00 م ص 7. - خلق القرآن القاضي عبد الجبار ص. - صوت الهاء في العربية إبراهيم كايد محمد قسم اللغة العربية كلية التربية جامعة الملك فيصل الحساء بحث منشور على شبكة النترنت على الموقع: ص 0